من مذكرات الصحفية رزق عروق :
قطعنا رحلة طويلة على أمل الوصول الي بيت الحنون في بيت حانون , لمشاركة او حتى مقاسمة
الناس في مصابهم الجلل, اما تعزية بشهدائهم , او مواساة في منزلهم الذي قصف او المزرعة
التي جرفت او الدواب الذي تم ابادته , او حتى عن العديد الهائل من الاسرى الذين تم اعتقالهم
بذريعة " الانتماء للوطن, تهمة".وبعد ان حطت بنا السيارة على مقربة من بيت حانون , رفض
الجيش الاسرائيلي السماح لنا بالتقدم الى عمق البلدة, خشية ان نكون من رجال المقاومة الفلسطينية
او حتى ننقل الذخيرة والمؤن الخاص للمقاومة, فلم نكن لا من هذا او ذلك, كنا مجموعة
من الصحفيين الذين قدموا لنقل صورة تعايش الوجدان , وتنقل معاناة من لازالوا يتوارون من
البكاء حتى اللحظة.
بيت حانون تقضي يومها السابع في بحر المعاناة التي تعيشها , بينما قد ودعت مالايقل عن
ستين شهيدا وثلاثمائة جريح بحسب احصائية رسمية. الفلسطينين كانوا اليوم على موعد مع
عرس جديد , يضاف الى سجل اعراسهم الجميلة البهيجة في لحظات الانكسار والجروح العميقة,
ليس كباقي اعراس امتنا العربية, ليس مغارة لعلي بابا ورفاقه ,او حتى كنوز المشرق والمغرب
قد حلت بديار اهل العرس.
و بينما كان الفلسطينين غارقون في همهم" بيت حانون " يتنقلون من اذاعة لاخرى بحثا عما
يعوضهم من المعاناة التي تلم بهم هذه الايام, واذا بإذاعات غزة التسعة, تنقل خبرا جماعيا مفاده
" امراة تفجر نفسه في جمع من الجنود" في تلك الاوقات سرت قشعريرة في جسدي لم اتبين علام
انطلقت في هذه الساعة, هل فخرا وحزنا على البطلة كما نقول بغزة, ام شعور بالنقص ,الفتاة تتقدم
والشاب ينتظر ان يستمع ماذا يجري للفتاة, ليس هنا جدال الحديث
ثواني قليلة وبدأت الاحظ كل من سمع الخبر ممن تواجدوا حولي وفور سماعهم للخبر, خروا سجدا ,
لله سجدة شكر وحمد, حينها بدأت اتلفت حولي, ماذا يفعل هؤلاء النخبة في هذه الساعة, سجود في
الشاعر وابتهلات وفرح, واطلاق زخات من النار, وتوزيع الحلوى , واطلاق الزغاريد من نساء
غزة الطاعنات في السنة , والمساجد قد ابتهجت فرحا وسرورا واذاعت الاناشيد والخطب الحماسية,
مواكبة للجو العام الذي تسير عليه غزة,
وعلى وجه من السرعة , بدأ الجميع يتناقل اسم الفارسة الجديدة التي انضمت الى قافلة عظماء
الشهداء في فلسطين كما يصنفهم الفلسطينيون ,فكانت الاستشهادية "مرفت أمين مسعود "19 عاما
جباليا , قد رسمت معالم خارطة الوطن بدمها الطهور على ارض بيت حانون التي تتعرض لاسوا
اجتياح اسرائيلي يعرفه الفلسطينين.
لتصل مرفت الى اماكن تواجد الاحتلال في بيت حانون لتوجه له صفعه, وتقطر دمه بكل دمعة سقطت
من النساء الفلسطينين لتنسج على قسمات وجهه عار وهزائم طوال, لترمي باحلام عودته سالما
الى دياره من سالف العصر و الاوان, بقتلهم الفلسطينين " حفروا القبور منتظرين من يدفن"
انتقام الحرائر
كأي فتاة فلسطينية تحلم ان تزف في في يوما ما عروسا, مبتهجة تسكن الفرحة اركان الفؤاد وترسم
معالم الوجه الحزين, بينما لم ترتضي ميرف مسعود ذات 19 ربيعا ان يكون زفافها عاديا بل شاءت
ان تلحق باكثر من سبعة عرائس بل قل اقمار بل قل اكثر من ذلك,قد زفهن الفلسطينين الى جنات,
ابلغ ما يطمح اليه القاتلين انفسهم "في سبيل الله"كما يرتضي الجميع قولها, ميرفت التي حملت
حزامها الناسف من منزلها بعد عزمت امرها على اختراق حصون جيش الاحتلال في شمال القطاع
المحتل, والوصل الى قلب بلدة بيت حانون , ولان شوارع بلدة حانون كانت عبارة عن اشباح فارغة
تماما من المارة الا من طوارق الليل, ودبابات جيش الاحتلال , وجنوده وقواته الخاصة التي قضت
مضاجع الفلسطينين واطالت ليلهم, وقتلت فرحتهم, في تلك اللحظات كاد الجيش ان يحبط عملية
ميرفت التي كانت على ما يبدو قد أحكمت فعلتها , وعقلتها وتوكلت على من جاءت عاشقة لرؤياه ,
حيث اوقفها احد الجنود الاسرائيلين محاولا نزع الحزام الناسف الذي وضع باحكام حول خصرها
والذي كان يزن 15 كيلوا غرامات من المتفجرات, لشكوك الاسرائيلين بوجود شيء ما حولها, رفضت
ميرفت نزعه ليتجمع الجنود حولها لتحو جسدها النحيل واناملها الرقيقة الى كتلة نار تتفجر في جنود
الاحتلال,, وبحسب شهود العيان الذين نقلوا الصورة للاذاعات المحلية" اقسم احد سكان بيت حانون
ممن شاهد العملية بعينيه حسبما قاله" اقسم بالله العظيم ثلاثا لقد رأيت مالايزيد عن 15جنديا تجمعوا
حولها, ثم فجرت نفسها فيهم فسمعنا دوي انفجار هائل" .
اعترف الجيش الاسرائيلي عن اصابة فقط
اربعة جنود قال انهم في حالة الخطر الحرج بعدما حضرت المروحيات الاسرائيلية و تدافع الاليات
الاسرائيلية لنقل الجرحى والقتلى في اشارة لكثرة الاسرائيلين الذي سقطوا خلال التفجير , هذه العملية
التي نفذت وسط اجواء امنية معقدة واجراءات مشددة ,اعلنت عنها سرايا القدس الجناح العسكري
لحركة الجهاد الاسلامي التي اطلقت على عمليتها اسم انتقام الحرائر, انتقاما على ما يبدو من
الاحتلال الاسرائيلي على افاعله في شمال غزة الى جانب قتله للمرأتين الفلسطينيتين خلال ثورة
النساء.
عائلة الفرسان و درب السبّاقات
ميرفت مسعود والتي تنتمي لعائلة عريقة ,عرفت في غزة, بتاريخها الطويل في التضحيات الجسام
التي قدمتها خلال ست سنوات الانتفاضة الاقصى , فقد سبق ميرفت " كلا من نبيل مسعود ابن عمها
الذي فجر نفسه في صفوف جنود الاحتلال في ميناء اسدود وعلى خلفية العملية اغتالت اسرائيل
الشيخ الشهيد احمد ياسين, وكان قد سبقه تيتو مسعود احد قادة كتائب القسام البارزين واحد اهم
مصنعي صواريخ القسام في قطاع غزة, الذي قضى في عملية اغتيال نفذتها طائرات حربية اسرائيلية
في مطلع العام 2003 تلاه الشهيد محمود مسعود الذي استشهد الاخر اثناء تصديه لاجتياح جباليا
في اواخر العام 2003,"
ونظرا لان العائلة قد اعتادت على تقديم الشهداء في مواطن العزة والكبرياء
والشموخ, وحتى في مواطن تحفظ لهم ابد الدهر, فقد تلقت والدة ميرفت وقريباتها وافراد اسرتها
الخبر بالابتهاج والصلاة والشكر وتوزيع الحلوى على سكان مخيم جباليا, معلنة استقبال المهنئين
وليس المعزين كما قالت للصحفيين الذين زاروها لحظة تردد الانباء عن هوية منفذ العملية .
[size="4"]وكانت اسماء قد لمعت في عالم الاستشهاديات الفلسطينيات ممن سبقن ميرفت الى مثل هذا العمل
البطولي الذي لا زال يجد الكثير من الرجال انفسهم خجلين من محاولة التحدث فيه وليس محاولة"
التجريب وخوض غمار التجربة" فكانت الاستشهادية" عندليب قطاقطة, وفاء ادريس, دارين ابو عيشة,
ايات الاخرس, من كتائب شهداء الاقصى , وهبة دراغمة ,هنادي جرادات ,سرايا القدس ,ريم
الرياشي, كتائب القسام,"
وظاهرة الاستشهاديات بدأت تستهوي الفلسطيينيات خاصة بعد التضييق على دخول الاستشهادين
الى داخل اراضي عام 48م